رأي الاستقلال العدد (1982)
بمنطق القوة فقط والغياب الكامل للعقل والمنطق, ادار الرئيس الامريكي الراحل عن البيت الابيض قبل ساعات قليلة دونالد ترامب السياسة الداخلية والخارجية للإدارة الامريكية, وهى سياسة مبنية على القمع والتسلط والعنجهية والصلف, هذه السياسة التي مارسها ترامب طوال فترة حكمة والتي اكتسبها من خلال مشاركته في حلبات المصارعة الامريكية, جعلته يدفع الثمن غاليا, ويخسر الانتخابات التي خاضها امام مرشح الحزب الديمقراطي الامريكي جو بايدن, الذي حقق نتائج غير مسبوقة في ولايات كانت محسومة دائما لصالح الحزب الجمهوري لكن بفضل سياسة ترامب الهمجية خسر الجمهوريون هذه الولايات, وتحولت تلقائيا للديمقراطيين لتنقلب المعادلة السياسة الانتخابية في الولايات الامريكية رأسا على عقب بفضل ترامب, وبات مشهد ترامب الذي رفض المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الامريكي الذي اكتسحه في الانتخابات جو بايدن في سابقة خطيرة وغير معهودة مخزيا للجمهوريين الذين سيدقعون ثمن سياسة هذا الرئيس المهووس ترامب, والذي تخلى عن برتوكول التسليم والتسلم للسلطة, وبات الاعلام العالمي كله مهتما بالحقائب النووية الثلاثة التي بحوزة ترامب, ويتساءل عن موعد وطريقة تسليمها لبايدن لانهم يخشون من تهوره واندفاعه ومغامراته الغير محسوبة وكأنهم يرغبون في تجريده من كل وسائل القوة المادية التي يتسلح بها لوقف مغامراته.
ترامب وهو يودع الامريكيين لم يخسر الانتخابات الرئاسية فحسب, انما خسر مستقبله السياسي, فهناك دعوات بتقديمه للمحاكمة بعد احداث مبنى الكابيتال, ودعوة انصاره لاقتحام البيت الابيض, وهجومة على القضاء الامريكي ووسائل الاعلام المختلفة, حتى الجمهوريين لم يسلموا من لسانة وانتقد مواقفهم خاصة اولئك الذين طالبوه بالاعتراف بنتائج الانتخابات الامريكية والتسليم بسياسة الامر الواقع واحترام ديمقراطية, او اولئك الذين طالبوا يمساءلته خلال تصويت مجلس النواب الذي جرى يوم الأربعاء الماضي فقد أصبح ترامب أول رئيس في التاريخ الأمريكي يواجه موقفأ مخزياً كهذا، فالمساءلة تعني توجيه الغرفة السفلى للكونغرس (مجلس النواب) اتهامات له بسوء السلوك. وقد اتهم مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، ترامب بتشجيع العنف من خلال ادعاءاته الكاذبة بشأن تزوير الانتخابات وتحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول يوم 6 يناير/ كانون الثاني. ورغم ان حضور حفل التنصيب إلزامي لكل من الرئيس المنتخب وهو الرئيس جو بايدن والرئيس المنتهية ولايته بموجب دستور الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب ويعقد خارج مبنى "الكابيتول" في العاصمة واشنطن، ترامب قال وهو يجمع حقائبه ويغادر البيت الابيض انه سيقاطع هذا الحفل لأنه غير معترف بنتائج الانتخابات, وانه سيعود بطريقة او بأخرى الى ادارة البلاد, فهذا هو منطقة المعهود.
هذه هي النهاية الحتمية لكل طاغية , ترامب حمل على عاتقه تغيير السياسات حول العالم, والحكم بمنطق القوة والتهديد, ففرض ما تسمى بصفقة القرن ليتحكم في منطقة الشرق الاوسط وينصب "اسرائيل حاكما عليها" وفرض مخطط الضم الاستعماري على اراضي الضفة, واعتبر القدس عاصمة موحدة لإسرائيل, ونفل السفارة الامريكية من تل ابيب للقدس, وفرض على الدول العربية التطبيع مع اسرائيل, وانشاء تحالف لمواجهة ايران, واوقف العمل بالاتفاق النووي الايراني, وفرض عقوبات كبيرة على ايران, واطلق يد "اسرائيل في المنطقة لتضرب في العواصم العربية وتوقع الضحايا الابرياء دون ان يحاسبها احد او تسأل عما تفعل, جو بايدن الذين يرغب في تحسين صورة امريكا امام العالم واستعادة مكانتها, قال انه سيتخذ قرارات سريعة فور تسلمه لحكمه حيث سيصدر فور دخوله البيت الأبيض 15 أمرا رئاسيا يبطل فيها إجراءات اتخذتها إدارة دونالد ترامب، منها إلغاء سياسات ترامب للهجرة، وإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. وسيعلق أعمال بناء جدار على حدود المكسيك وتمويله بموازنة من وزراة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وسيأمر بايدن بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ وإلى منظمة الصحة العالمية, كما وعد بالعودة للاتفاق النووي الايراني وتأييد "حل الدولتين" والغاء مخطط الضم الاستعماري, وعدم التستر على الطغاة وحمايتهم, وتعزيز الديمقراطية, ورغم اننا لا نعول كثيرا على الادارة الامريكية في مواقفها تجاه "اسرائيل" التي تنحاز اليها بشكل مطلق, لكننا لن نتعجل النتائج, ولن نحكم على الامور مسبقا رغم علمنا ببواطنها.
التعليقات : 0