رأي الاستقلال العدد (1986)

هكذا علمتنا الحياة

هكذا علمتنا الحياة
رأي الاستقلال

رأي الاستقلال العدد (1986)

انتهت الحملة الانتخابية للرئيس الامريكي الفائز جو بايدن وتولى فعليا ادارة السلطة في امريكا, وبات الفعل المأمول للإدارة الجديدة هو الذي يمكن ان يترجم الاقوال الى افعال, وعلى ما يبدو ان الادارة الامريكية الجديدة تصدرت اولويات سياستها قرارات سريعة تخص مكافحة فيروس كورونا والاوضاع الاقتصادية وقوانين الهجرة والتعامل مع الحلفاء, ولم يكن من ضمن الاولويات الامريكية موضوع الاستيطان ولا مخطط الضم الاستعماري ولا صفقة القرن, ولم يكن من ضمن اولوياتها فتح مكاتب المنظمة في واشنطن, ولا الدعم الامريكي للأونروا, ولا الاتفاق النووي الايراني, فهذه ليست اولويات بالنسبة لبايدن وادارته, ففي اول يوم تولى فيه بايدن منصبه اقرت "اسرائيل" مخطط بناء 2800 وحدة استيطانية جديدة في الضفة المحتلة والقدس, ولا زال الاحتلال الصهيوني يقتحم المدن والمخيمات الفلسطينية ويقوم بتصفية الفلسطينيين بدم بارد واخرهم ما حدث امس باستشهاد العامل فؤاد سبتي جودة  في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، خلال ملاحقة الاحتلال للعمال الفلسطينيين, كما ان "اسرائيل" لا زالت تواصل غاراتها على غزة وتستهدف المدنيين العزل, ولا تتوقف عن شن غارات جوية على الاراضي السورية, وتقتل عشرات المدنيين العزل, وتواصل تهديدها للجبهة الشمالية, ولا زالت تهدد بزعزعة استقرار المنطقة من خلال تهديدها لإيران وحزب الله .

 

كما ان الادارة الامريكية واجهت دعوة قطر بحوار شامل في المنطقة بتفعيل التدريب المشترك بين القوات البحرية السعودية والبحرية الأميركية، في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الخارجية السعودية أن دعوة إيران للحوار غير مجدية, وهو ما يدل على رفض التهدئة في المنطقة, والنوايا الامريكية في ادامة الازمة بين ايران ومعظم دول الخليج, وبسط نفوذها العسكري في المنطقة الشرق اوسطية, والتحكم في سياسات الدول العربية وتوجهاتها بما يخدم مصلحة امريكا ومخططاتها واطماعها, ونسى بايدن او تناسى حديثه عن الدكتاتوريات وملاحقة المتورطين في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتقديمهم للعدالة, وايجاد حل عادل للعدوان السعودي الاماراتي على اليمن, هذه الملفات الهامة ليست ذات اولوية لدى جو بايدن, فما يتم التصريح به خلال مرحلة الانتخابات يكون محكوم بقراءة مزاج الناس ومحاولة ارضائهم لكسب اصواتهم, لكن على ارض الواقع الامر مختلف, ولا مجال لارضاء الناس لان العالم محكوم بميزان القوة, سواء القوة العسكرية المفرطة او القوة الاقتصادية الجبارة, ولا مكان للضعفاء في هذا العالم الذي تقوده الادارة الامريكية بمنطقها الاستعلائي وحكمها الاستبدادي, فمعظم القضايا التي يركز عليها جو بايدن حتى الان داخليا مواجهة فيروس كورونا وتحسين الوضع اقتصادية والتأمين الصحي, وخارجيا قضايا انسانية كالهجرة وفتح الحدود والمناخ والبيئة .. الخ.

 

المدرسة السياسية الامريكية تعمل داخل اطار محدد لا يمكن الخروج عنه, ربما تتغير الاساليب في التعامل مع القضايا المطروحة, لكن الاساسات تبقى حاضرة, ولا يمكن تجاوز السياسات العامة للإدارة الامريكية, سواء في وجود ترامب او وجود بايدن, او في وجود الديمقراطيين او الجمهوريين, وليس هناك صقور وحمائم لدى الامريكان, انما هناك خطوط عامة يلتزم بها الجميع, وهناك قضايا لا يمكن الاقتراب منها, فعلاقة امريكا "بإسرائيل" غير مرتبطة بأشخاص ولن تتغير هذه العلاقة او تتأثر بمجرد تغير الاشخاص, كل الامور في النهاية ستصب في صالح "اسرائيل" وبما يخدم مصالحها ومصالح الادارة الامريكية,  كما ان علاقة امريكا بايران لن تتغير, طالما ان ايران تدعم القضية الفلسطينية, وتحرض على "اسرائيل" وتشكل محور لمواجهة التغول الامريكي الصهيوني في المنطقة, ولا يمكن ان تنحاز امريكا لصالح القضايا العربية او تدعم الحقوق العربية ففي قضية سد النهضة مثلا نجد امريكا تتجنب فرض حل على اثيوبيا رغم انها تملك فرض الحل عليها بسهولة, لكن مصلحة "اسرائيل" التي تدعم اثيوبيا بقوة في ادامة الازمة, ولا يمكن ان تفرض حلول لما يحدث في اليمن وليبيا والعراق وسوريا لان "اسرائيل" هي المستفيد الاكبر مما يحدث.   

 

كونوا على يقين ان بايدن لن ينحاز اليكم على حساب "اسرائيل", ولن يضع حلولا للازمات والمعارك في منطقة الشرق الاوسط, لان مصلحة امريكا و"اسرائيل" في ادامتها, وقد اتضحت تماما ملامح سياسة بايدن منذ تسلمه لمقاليد الادارة الامريكية, نعم تتغير الوجوه, لكن السياسات لا تتغير هكذا علمتنا الحياة.  

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق