بقلم/حسن لافي
وثيقة حماس الجديدة وما تحتويه من مبادئ ومواقف , التي شكلت النسخة المعدلة لميثاق الحركة، إلا أن هذا الميثاق لم يبتعد كثيرًا عن محاولات تطوير خطاب حركة حماس منذ أكثر من عقدين ، لكنها استطاعت تحويل الطروحات التجديدية داخل حماس إلى موقف رسمي لها ، الأفكار التي في وقت من الأوقات كان يخشى أصحابها من مجرد ذكرها أمام قواعد حماس الجماهيرية ، بل كان يتم تداولها بالغرف الضيقة جداً خوفا من تهم التخوين والعلمنة وحتى التفسيق ،أضحت مبادئ يتبناها ميثاق الحركة.
وهنا تأتي الوثيقة للتأكيد على أن حماس أولاً واخيرًا هي حركة تحرر ومقاومة فلسطينية , ليس لها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين كتنظيم عابر للحدود ،بعكس ما كان من مسلمات الماضي سواء بالفعل أو الممارسة أو التنظير داخل حماس. وهذه عودة محمودة باتجاه التركيز على البعد الفلسطيني التحرري.
حماس اعتبرت بوثيقتها الجديدة أن الصراع مع الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي ،هو صراع شعب يطالب بحقه بالحرية ،وليس صراعاً عقائدياً ضد اليهود، بمعنى أن حماس تراجعت عن خطاب الصراع الديني لصالح خطاب الصراع السياسي ،و لكي ينجح هذا التحول الأيديولوجي والفقهي , مطالبة حماس بإعادة صياغة برامجها الثقافية والتعبوية والتربوية، وحتى الفقهية, لترسيخ هذا الطرح في وعي وأذهان قواعدها التنظيمية والجماهيرية، ولكي لا تتناقض النظرية مع الممارسة.
أما الأمر الملاحظ بقوة في هذه الوثيقة فهو الصياغة ذات المصطلحات السياسية البرجماتية ، التي تبتعد بها حماس عن الخطاب الديني التقليدي، وهذه خطوة نحو انفتاح حماس باتجاه تجديد خطابها السياسي و الفكري والفقهي كحركة سياسية ذات مرجعية إسلامية دينية ، قادرة على التعامل مع المستجدات والمتغيرات في الإقليم والعالم بعيداً عن قوالب الحركة الإسلامية التقليدية.
هذا ما كان من الرجاء, أما المخاوف فرغم أن أسطر الوثيقة لا تحمل كلماتها ما يدعو للقلق، إلا أن قراءة ما وراء السطور ,وعلى ضوء التجارب التاريخية لفصائل منظمة التحرير ،وخاصة الذين حملوا راية النقاط العشر كحل مرحلي , وتدهور بهم الأمر إلى القبول ب٢٢%من أرض فلسطين الانتدابية ،وباعتراف كامل بدولة الاحتلال. يجعل التساؤل المشوب بالريبة مشروعاً ،هل ستختلف تجربة حماس عن سابقيها؟
فرغم كل تأكيدات الوثيقة على وحدة كامل التراب الفلسطيني وأحقية الفلسطينيين الكاملة به ،تبقى الإجابة مفتوحةً في ظل عدم تحديد أو توضيح كيفية قيام الدولة , التي ممكن أن تقبل بها حماس، وخاصة أن تجربة مشاركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي عام ٢٠٠٦, بعد أن كانت ترفض ذلك جملةً وتفصيلاً عام ١٩٩٦ حاضرةً بقوة في الذاكرة الفلسطينية .
وإذا أخذنا توقيت الإعلان عن الوثيقة بعين الحسبان، نجد أن عوامل الخوف تزداد، ففي أجواء التجاذبات بين القوى العظمى لإعادة رسم الخريطة السياسية، و حتى الحدود الجغرافية لدول المنطقة ، وفي ظل التحول الحاد في رؤية الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب تجاه حركة الإخوان المسلمين كعامل يخدم استقرار المنطقة ويحافظ على المصالح الأمريكية فيها، إلى عامل يضُر بالعلاقة المصرية الأمريكية، على ضوء التقارب الواضح بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وترامب ،والدور المرسوم لمصر في المرحلة الجديدة، والتي عنوانها العرب وإسرائيل يد واحدة ضد المشروع الإيراني , فهل حماس في هذا التوقيت تُقدم أوراق اعتماد جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة، لكي تبقى حاضرة في الخارطة السياسية المقبلة؟,خاصة وأن ترامب يسعى لإتمام صفقة التاريخ , التي تُنهي الصراع العربي الإسرائيلي بأي شكل يتم التوافق عليه من قبل الأطراف المعنية.
فهل ممكن على ضوء ذلك، تفسير تخلي حماس على الحاضنة الإخوانية التاريخية، لكي تحافظ على وجودها السياسي من مخاطر الإقصاء، وفي ذات السياق تبنيها للصراع السياسي لتتمايز عن الخطاب الداعشي، وتبتعد عن تهمة الإرهاب، وبذلك لا تحمل الوثيقة بطياتها رجاء التجديد بل أيضاً مخاوف التسويق.
التعليقات : 0