الأسيرات الفلسطـينـيّات "أنـسَـنَة" القـضـيّة والبُعد المُقَاوِم... هيثم محمد أبو الغزلان ( 5/ 5)

الأسيرات الفلسطـينـيّات
أقلام وآراء

هيثم ابو الغزلان – الجزء الخامس

دور المرأة الفلسطينية في المقاومة (ما قبل الاعتقال، وأثناءه، وما بعده، ونماذج)

تنتهك سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" حقوق الأسرى وبخاصة الأسيرات الفلسطينيات، وتمارس بحقهن كل أشكال التعذيب والإهانة، وأساليب التحقيق المتعددة، وكل أشكال الضغط النفسي بغية إرهاقهن لانتزاع الاعترافات التي تتوافق مع ما يريده المحقق "الإسرائيلي" في انتهاك واضح للمادة الـ (14) من اتفاقية جنيف حول معاملة أسرى الحرب الداعية إلى معاملة النساء الأسيرات بكل اعتبار الواجب لجنسهن، ووجوب أن يلقين معاملة لا تقل ملائمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال.

 

تتعرّض الأسيرات الفلسطينيات إلى انتهاكات عديدة، منها التحقيقات القاسية والعزل الانفرادي، علاوة على الاقتحامات الليلية لغرف الأسيرات، وضربهن أثناء نقلهن للمحاكم على أيدي قوات "النحشون" المتخصصة بعملية النقل، وشتمهن بألفاظ بذيئة، إضافة إلى وجود كاميرات مراقبة تنتهك خصوصيّاتهن.

 

تقول الأسيرة المحررة منى قعدان من جنين (اعتقلت 5 مرات): "تجربة الاعتقال الخاصة تبدأ من الدقيقة الأولى مع الاقتحام للمنزل في الليل، وتفتيش وتدمير محتوياته لإنزال الرعب في قلب الأسيرة وكسر إرادتها قبل نقلها في "البوسطة" المزدحمة بالجنود والكلاب المتوحشة، يترافق ذلك مع الصراخ ومصادرة أشياء من خصوصيات الأسيرة التي تحتفظ بها منذ كانت طفلة كجزء من حياتها، ولكن يأخذها الجنود كعقاب وتهديد لها في فترة التحقيق.. ولا يقل ذلك رعبًا عن الاعتقال للأسيرة على الحواجز وما يرافق ذلك من خوف ورعب وعدم توديع للأهل أو إخبارهم مع ما يرافق ذلك من حالة قلق لدى الجانبين وتحسّب ردّات الفعل على صحتهم ونفسيّاتهم حيث تبقى الأسئلة بلا أجوبة".

 

وتضيف الأسيرة قعدان: "بمجرد وصول الأسيرة إلى مكان الاعتقال يتم وضعها في زنزانة تحت الأرض لا تصلح أن تكون إسطبلًا؛ صغيرة الحجم، داكنة اللون، خافتة الضوء، وعادة لا تكون فيها مياه، ولا يوجد فيها أغطية كافية، بل أغطية خفيفة ذات روائح كريهة للغاية، لا يستطيع البشر تحمّل رائحتها، فضلًا أن يتغطّى بها! وفي تلك الأوقات يتعمّد الاحتلال بثّ الأصوات العالية التي تمنع الأسيرة من النوم. عند اعتقال الأسيرة في المرة الأولى لا تعلم ماذا سيحدث لها؟! فتكون بين الخوف والثبات. بعدها تبدأ مرحلة التحقيق ليتم نقلها من الزنزانة إلى غرفة التحقيق معصوبة العينين لا تعرف من أين خرجت؟ ولا إلى أين دخلت؟!".

 

وتضيف: "في هذه المرحلة يبدأون بالصراخ في وجه الأسيرة لإرعابها، وحرمانها من النوم، ومنعها من مقابلة محاميها لأيام أو شهور. ولا تتوقف المعاناة مع انتهاء التحقيق الذي ينهك الأسيرة نفسيًا وجسديًا. وبعدها يتم نقل الأسيرة إلى غرفة العصافير لإشعار الأسيرة بالراحة النفسية أنها بين بنات شعبها، فتُعامل بهدوء وحنان فتتكلم بما لم تبح به للمحققين، فتستدعى مجددًا إلى غرف التحقيق في رحلة عذاب جديدة تتسم بالروتين القاتل والعدّ من 3 إلى 4 مرات في اليوم، والتفتيش المستمر (جسديًا وللغرف)، وبعض ذلك يحدث في الليل، وفي ظروف مختلفة (صيفًا أو شتاء)، وبأوقات مفاجئة، أو في أوقات لا يراعى فيها أن الأسيرة مريضة، أو صغيرة، أو كبيرة في العمر، فيجب عليها أن تنصاع لأوامر الجنود، وإلا ستعاقب بالعزل الإنفرادي، أو حرمانها من زيارة الأهل أو المحامي".

 

وذكرت "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" أن قوات الاحتلال اعتقلت الطفلة (ر. ل) التي تبلغ من العمر 17 عاماً من القدس بتاريخ (5/2/2016) وهي في طريقها الى منزلها، وقام جنود الاحتلال بضربها ضربًا مبرحًا قبل نقلها الى مركز تحقيق المسكوبية، وكانت مكبلة اليدين ومعصوبة العينين طوال فترة النقل، كما قام الجنود بإهانتها وضربها داخل الجيب العسكري. لم تكن تعلم (ر. ل) إلى أين يتم نقلها ولم يتم إعلام أهلها، قام ثلاث محققين بالتحقيق معها لمدة ثلاثة أيام وهي مكبلة اليدين والرجلين، ولم يتم السماح لها بلقاء محامي. تعرّضت (ر. ل) للتعذيب طوال فترة التحقيق، حيث عانت من الشبح والضرب والحرمان من النوم والطعام. إدّعى المحققون بأنها كانت تحمل سكينًا وتم الإفراج عنها بكفالة قدرها 2500 شيكل بعد (4) أيام من الاعتقال، وبشرط الحبس المنزلي والإبعاد القسري عن منزل عائلتها إلى قرية أخرى في القدس. ثم أعيد اعتقالها مرة أخرى بتاريخ (5/2/2018)، وحُكم عليها بالسجن الفعلي لمدة (14) شهراً، وخُفّض الحكم إلى 8 شهور في الاستئناف..(19)

 

وقالت الأسيرة الفلسطينية المحررة بشرى الطويل (طالبة إعلام) التي أمضت أكثر من عشرة شهور في سجن "هشارون" العسكري الإسرائيلي، وأُفرج عنها عام 2015، إنها "قيّدت فور اعتقالها من منزلها بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية، وألقيت لساعات في مركبة عسكرية ثم أخضعت للتحقيق لمدة قصيرة في سجن "عوفر" غربي رام الله، قبل أن تنقل إلى سجن "هشارون" العسكري المخصص للفلسطينيات. وقد منعت من لقاء والدها المعتقل، رغم أن القانون الإسرائيلي يتيح ذلك".

 

وشرحت الأسيرة المحررة أحلام التميمي عن تجربتها المريرة مع الأسر الذي استمر أكثر من عشر سنوات، وقالت إنها تعرضت للعزل الانفرادي، وأن الإسرائيليين لا يسمحون للأسير المعزول إلا بساعة واحدة للخروج من الغرفة كل 24 ساعة وهو مكبّل اليدين والرجلين، كما يوضع في مهاجع الأسرى الجنائيين، ما يسبب معاناة إضافية خاصة للأسيرات.(20)

 

وتصف الأسيرة المحررة منى قعدان بدء محاكمة الأسيرة بقصة لها معاناة؛ تبدأ من خروجها من الزنزانة عند الساعة الثالثة فجرًا، والتفتيش العاري قبل الخروج، وبعد عودتها وهي منهكة بعدما ذاقت ويلات يوم وليلة في رحلة العذاب تلك فيتم إخراجها إلى ساحة السجن وتبقى في البرد القارس وتحت المطر حتى يخرج جميع الأسرى الذين سيحاكمون ولديهم محكمة في اليوم نفسه؛ سواء أكانوا سجناء أمنيين أم سجناء جنائيين! ويتم وضعهم جميعًا في بوسطة واحدة عبارة عن قطعة حديدية تمشي على الأرض. وهي مقسّمة على غرف صغيرة؛ يتّسع بعضها لشخص واحد، وبعضها يتّسع لشخصين. في غرفها لا تستطيع الأسيرة مدّ رجليها لترتاح، أو الوقوف أيام الشتاء لأن حديدها يكون عبارة عن لوح من الثلج، ومهما ارتديت من ملابس فهي لن تفعل فعلها! أما في الصيف فتتحوّل إلى قطعة من النار! ويضعون الأسرى والأسيرات مع السجناء الجنائيين الذين يُوجّهون لهم وللأسيرات الكلام البذيء الذي لا يقبله إنسان حر.

 

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق