القدس المحتلّة – غزة/ قاسم الأغا:
يُنذر إرهاب دولة الاحتلال الإسرائيلي المنظّم والمتصاعد في المسجد الأقصى، ومدينة القدس، وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة، على وقع تعالي الدعوات شعبيَّا وفصائليًا للتصدي إليه، إلى اندلاع انتفاضة شعبيّة عارمة.
ويرى محلّلون سياسيون بالشأن الفلسطيني في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال" الجمعة، أن الأحداث الميدانية الجارية بالمدينة المقدسة ومعركة التصدي والاشتباك التي يخوضها المقدسيون ضد قوات الاحتلال وقُطعان المستوطنين المتطرّفين؛ تعكس "إرهاصات" ثورة حقيقية، وأن وصولها لانتفاضة شعبية شاملة أمر ممكن؛ لتوفر الظروف المواتية لذلك.
وتشهد مدينة القدس المحتلة، خصوصًا منذ بداية شهر رمضان، تغولًا شرسًا وغير مسبوق من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، تخلّلها اعتداءات ومواجهات ميدانية في شوارع المدينة وعند أبوابها.
وتمثّل هذا التغوّل على المقدسيين، بالملاحقة والاعتقال والاعتداء والقمع بالقوة، إذ بلغت ذروة الأحداث في مدينة القدس المحتلّة مساء الخميس – فجر الجمعة، حيث شهدت أحياء وأزقّة البلدة القديمة من المدينة، خصوصًا في "باب العامود" مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين من جهة، وشرطة الاحتلال والمستوطنين من جهة أخرى.
وأصيب خلال المواجهات التي استخدمت فيها شرطة الاحتلال الرصاص المطاطي، وقنابل الغاز والصوت، والمياه العادمة، نحو (105) مقدسيا، كما اعتقلت 50 آخرين، فيما تضرّرت ممتلكات مقدسية في أحياء العاصمة المحتلّة؛ نتيجة إرهاب المستوطنين.
وعلى إثر ذلك، وصفت فصائل فلسطينية ما يجري بالقدس المحتلة بـالمواجهات البطولية، داعيةً إلى تصعيدها وتحويلها إلى انتفاضة شعبية عارمة؛ إسنادًا ودعمًا للمرابطين فيها.
وقالت حركة الجهاد الإسلامي: "ندعو لتصعيد الانتفاضة؛ إسنادًا ودعمًا للقدس وأهلها والمرابطين فيها، وجعل شهر رمضان المبارك مناسبة لتجديد عهد الثبات على طريق الحقّ وشحذ الهمم؛ للتصدي لكل المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية".
وطالبت الحركة في بيان وصل "الاستقلال" الجمعة، شعبنا الفلسطيني بتحدّي الاحتلال، وشدّ الرّحال للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، والذّود عنه، وصدّ المستوطنين المقتحمين لساحاته الشريفة.
أطماع تاريخيّة
الكاتب والمحلّل السياسي د. أسعد جودة، قال إن تغول الاحتلال وقطعان مستوطنيه على مدينة القدس وانتهاكاته المختلفة تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني هناك، لا يمكن فصله عن الأطماع التاريخية منذ النكسة عام 1967، في السيطرة على "ديموغرافيا" المدينة المحتلة، والتخلّص من المقدسيين، أهل المدينة الأصليين بـوسائل "الإبادة والتطهير العرقي"؛ للوصول إلى ما تُسمّى "القدس الكُبرى".
وأضاف جودة في مقابلة مع صحيفة "الاستقلال"، أن الواقع في المدينة المقدّسة مرير جدًا، وشعبنا المقدسي الفلسطيني يواجه حياة معقدة، كفرض سياسات الحصار والتضييق والتجويع والهيمنة الأمنيّة والاقتصادية الصهيونية؛ إلّا أن ذلك لن يفتّ من عزيمته في مواجهة الاحتلال، وإفشال أطماعه ومخططاته الخبيثة.
وأكّد أنه وأمام الإرهاب والانتهاكات المتصاعدة من الاحتلال؛ فلا بدّ من صوغ برنامج نضالي وطني باستراتيجية وأهداف وعوامل وأدوات، يُجمع حوله الكل الوطني الفلسطيني، حدّه الأدنى المقاومة الشعبية.
وتابع أن واقع الأرض الفلسطينية المحتلة يتطلّب توافقًا وطنيًّا حقيقيًّا، ونجيب على أسئلة ثلاث: أين نقف نحن، وماذا نريد، وكيف سنحقق ما نتطلّع إليه من تحرير للأرض والمقدسات وكنس الاحتلال؟
وأشار إلى إمكانية اندلاع انتفاضة شاملة؛ بيد أن هذا الأمر يتطلب فضلًا عن "تأهل" الشعب الفلسطيني لها، توافقًا بين السلطة الفلسطينية والقوى والفصائل الوطنية كافّة، لتطبيق اجتماع الأمناء العامين، وقرارات المجلسين "الوطني" و"المركزي" لمنظمة التحرير بسحب الاعتراف بـ "إسرائيل"، وإعلان فشل "أوسلو" ومسيرة التسوية برمّتها، وتشكيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية، والإدراك بأنّنا شعب تحت الاحتلال، وما زال في مرحلة التحرّر الوطني، وليس في مرحلة بناء "الدولة".
إرهاصات ثورة
بدوره، الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، رأى أن البطولة التي يبديها المرابطين والثائرين في المسجد الأقصى والمدينة المقدّسة، وتسارع وتيرة الأحداث الميدانية هناك، تعكس "إرهاصات" ثورة حقيقية، وحالة "غليان" لدى الشعب الفلسطيني؛ رفضًا لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وإرهاب قُطعان مستوطنيه المتطرّفين.
وقال المدهون في مقابلة مع صحيفة "الاستقلال" أمس الجمعة، إن الواقع والبيئة والظروف بالضفة والقدس المحتلتين تدفع باتجاه الثورة والانفجار ضد الاحتلال، الذي قتل الفلسطينيين، واعتدى عليهم، وسلب أرضهم، وهوّد مقدساتهم، بينما رفض تقديم "أيّ شيء حتّى للسلطة الفلسطينية التي أضعفها، ووظّفها لخدمته مصالحه فقط".
وأضاف "واقعنا الفلسطيني اليوم أكثر حيوية، وقدرة في فرض الوقائع والسيناريوهات من الاحتلال، التي بدأت صورته وفعاليته ومقدرته على الفعل بالتآكل".
وتابع "أصبح الفلسطينيون المتمسّكون بأرضهم ومقدساتهم، وفي مقدمتهم الشباب الفلسطيني، هم أصحاب المبادرة، وقوّة الفعل على الأرض؛ للحفاظ على كينونتهم وهويتهم، رغم ما يقترفه الاحتلال تجاههم، خصوصًا بمدينة القدس المحتلة، من تضييق وتهجير وتدمير لبيوتهم وممتلكاتهم".
وأردف "المعطيات والدلائل، تشير إلى أن مشاريع الاحتلال بدأت تتهاوى وتتقهقر، في حين أن الشعب الفلسطيني بدأ يتمدّد ويحافظ على وجوده أكثر فأكثر"، مبيّنًا أن مشاهد البطولة التي يسطّرها الفلسطينيين لا سيّما بالقدس المحتلة، لا تعبّر عنه فحسب؛ إنّما تعبّر عن ضمير الأمّة العربية والمسلمة أيضًا.
وعن العوامل المطلوبة لولادة انتفاضة شعبيّة قويّة تستنزف الاحتلال مستوطنيه، نبّه إلى أن أحد أهمّ هذه العوامل "رفع السلطة الفلسطينية لقبضتها الأمنية على الشباب الفلسطيني بالضفة المحتلة، من خلال وقف استدعائهم وملاحقتهم، والكفّ عن التنسيق الأمني مع أجهزة أمن الاحتلال"، وفق الكاتب والمحلّل السياسي.
كما أن من العوامل المهمّة إيجاد قيادة موحّدة ومؤّثرة تكون قادرة على قيادة انتفاضة "وليدة"، بحسب المدهون، الذي أشار في الوقت ذاته إلى أهميّة دور الفصائل الفلسطينية في تفعيل أدواتها الداعمة لحراك القدس، وغيره من الحراكات والهبّات الشعبيّة ضد الاحتلال ومستوطنيه، وألّا تقتصر فقط على مدينة القدس؛ بل يجب أن يتمدّد لكل مناطق الضفة المحتلّة التي يبتلعها الاستيطان وتُقطّع أوصالها الحواجز، إذ أن "تحريك الضفة مهم جدًّا للذهاب إلى مواجهة وانتفاضة كبيرتَين".
وفي هذا الصدد، أضاف "على السلطة الفلسطينية أن تسمح لشعبنا الفلسطيني بمواجهة الاحتلال شعبيًّا، ودعم هذا التوجّه، عبر السماح للفلسطينيين بالوصول للحواجز ومناطق الاحتكاك".
ولم يقّلل الكاتب والمحلل السياسي من أهميّة الدعم والمساندة على المستويين الدولي والإقليمي، لدعم اندلاع انتفاضة شعبية عارمة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وهنا، تابع "يجب أن يكون هنالك مواقف من الدول العربية، لدعم هذه الانتفاضة الفلسطينية، على المستويات كافّة، سياسيًّا ودبلوماسيًّا وإعلاميًّا وماليًّا".
التعليقات : 0