حماد صبح
بعد سقوط الصاروخ الذي لم تحدد حتى الآن نوعيته وهوية مطلقه، أهي سوريا أم إيران ، قريبا من مفاعل ديمونا الإسرائيلي ، وبعد حديث وزارة الدفاع الأميركية ، البنتاجون ، عن امتلاك إيران ثلاثة آلاف صاروخ باليستي عالية الدقة من المنطقي التساؤل : إلام ستنتهي الاستفزازات والضربات الثأرية بين إسرائيل وإيران ، والتي منطلقها أساسا إسرائيلي ؟! من المقومات الأساسية التي اعتمدت عليها إسرائيل منذ قيامها أن تكون القوة العسكرية الأولى في المنطقة . ونجحت في تحقيق هذا الهدف أمام الدول العربية ، وما لم تستطع إنجازه بيدها ، مثل انتصارها في حرب 1967 ، أنجزته بيد أميركا مثلما حدث في غزو العراق واحتلاله وتحطيم قوته العسكرية في 2003 . ولم تكن في أغلب زمن صراعها العسكري مع العرب ، والأدق أن نقول مع بعض العرب ، تواجه أي طرف إسلامي لغياب تركيا وإيران الشاه عن هذا الصراع . وملثما هو معلوم ، حدث التحول في الموقف الإسلامي تجاهها بإسقاط الثورة الإيرانية حكم الشاه في 1979 ، وتوجه إيران سياسيا نحو العالم العربي ، ومؤازرتها للقضية الفلسطينية . وتوجهت تركيا إسلاميا وعربيا بعد مجيء حزب العدالة والتنمية فيها إلى الحكم ، وإن لم يكن توجهها الإسلامي في صراحة وقوة التوجه الإيراني لظروفها الخاصة المعروفة . وأقلق تعاظم القوة الإيرانية إسرائيل ، وخلق لها أردوغان مشاغبات ومنغصات ، لكن إيران مثلت في عينها ووعيها الخطر الحقيقي الذي تجسد تجسدا حادا حاسما في تسليح وتمويل إيران لحزب الله في لبنان ، وللمقاومة الفلسطينية في غزة .
وفي سياق خوفها من إيران لم ترضَ عن الاتفاق النووي بين إيران والدول الست التي وقعته معها ، وأرضاها ترامب بالانسحاب منه في 2018 حتى وصلت الأمور بشأنه إلى ما هي عليه اليوم ، فإلى أين ستمضي ؟! إدارة بايدن تريد اتفاقا جديدا رغم أن اتفاق 2015 خفض مخزون إيران من اليورانيوم بنسبة 98 % ، وفرض نظام مراقبة على منشآتها النووية على مدار الساعة ، ثم هي وبتحريض من إسرائيل تلح في أن يتضمن الاتفاق الجديد صواريخ إيران الباليستية ، وإيران تصر محقة على العودة إلى اتفاق 2015 ورفع العقوبات التي فرضتها عليها إدارة ترامب دفعة واحدة لا خطوة خطوة مثلما تريد إدارة بايدن ، وترفض ضم صواريخها في الاتفاق النووي . إسرائيل هذه المرة لا تواجه عدوا عربيا تكسره بيدها أو بيد أميركا . تواجه عدوا مختلفا صلبا عنيدا مؤمنا بعدالة قضيته ، عالما بحقيقة إسرائيل وخطرها عليه وعلى المنطقة . ولا ريب أن إيران تواجه في صراعها مع إسرائيل جبهة أعداء أقوياء هي الغرب الأميركي والأوروبي والمـتآمرون من العرب إلا أنها تظل عدوا مختلفا عن العدو العربي لإسرائيل ، ثم هي ، إيران ، تناصرها الصين وروسيا اللتان تعلمان علم اليقين شدة عداوة أميركا لهما الذب تتكاثر شواهده في الوقت الحالي .
واختلاف العداء الإيراني لإسرائيل عن العداء العربي لها يفرض نتائج مختلفة للصراع ليست مريحة لها ، فلا هي قادرة بذاتها على تحدي إيران إلى ما لا نهاية ، ولا أميركا راغبة أو قادرة في أن تقوم لها في إيران بما قامت به في العراق في الوقت الذي تتجه فيه للابتعاد الاستراتيجي عن المنطقة ، فتنوي الانسحاب من أفغانستان ، وربما من العراق بعدها . حال إسرائيل مع إيران يصورها المثل العربي الشعبي :” جاك مين يعرفك يا بلوط ” . وهي مهما ضربت المنشآت النووية الإيرانية فلن توقف النشاط النووي الإيراني السلمي وليس الحربي مثلما تزعم وتضلل . وهي لن تصمد في حرب السفن خاصة في المياه القريبة من إيران . وإذا قصفت مواقع إيرانية بالطائرات أو بالصواريخ الباليستية فستواجه برد إيراني عنيف واسع بالصواريخ لا تطيقه جبهتها الداخلية ، ولا حل لها سوى التكيف سلميا مع القوة الإيرانية ، والتصرف انطلاقا من حقيقة أن زمن كونها القوة العسكرية الأولى في المنطقة ذهب بلا رجعة ، ويزدادا ابتعادا ، فهل تستطيع ؟! هذا سؤال يخصها وحدها ، وإجابته الصحيحة تتصل بمصيرها الوجودي في المنطقة.
التعليقات : 0