قبس من نار عتصيون.. عطاف عليان

قبس من نار عتصيون..  عطاف عليان
أقلام وآراء

بقلم المجاهدة: عطاف عليان

لم يكن الطريق طويلًا، لكن في ظل البرد، ومعانقة القيد، ووهن الجسد. كان شاقًا. عبرت السجانة بي مبنى جديدًا هو أيضًا من البيوت المؤقتة لكنه مرتب، يلفحك دفء المكان منذ اللحظة الأولى لولوجك فيه، مكتب مليء بالأوراق والملفات يجلس خلفه رجل بملابس مدنية، يبدو هادئًا، في مرحلة الكهولة، ملامحه شرقية، أهتم كثيرًا بالانطباع الأولي لما أراه، لابد أنه المحقق، طلبت السجانة مني الجلوس على بنك خشبي، الرجل يقلب أوراقًا ويفتح ملفًا تلو الملف يدخن السيجارة تلو السيجارةً، لم يلتفت نحونا وكأنه لا يعنيه أمرنا، مر قليل من الوقت دخل رجل آخر يلبس اللباس المدني طلب ملفًا، أراد البحث في الملفات التي على الطاولة، قال الرجل الجالس: هذه كلها لها أشار بوجهه إليّ، قام إلى خزانة بجانبه تناول ملفًا دون أن ينظر إليه وأعطاه إياه، تمثيلية مكشوفة تستهدف حرق أعصابي، قلت لنفسي، انتبهت لعرجة في رجله، إذا لألعب معه نفس اللعبة، ركزت نظري على رجليه، ارتبك، بدأ الهدوء يفارقه، وبدأ التوتر يظهر في حركة يديه وارتجاف سيجارته، لقد نلت منه، حدثت نفسي. طلب من المجندة أن تفك قيد يدي، جلست على الكرسي الملاصق للمكتب.

 

عطاف كيف حالك؟ الحمد لله على أحسن حال. أحسن حال؟ نعم على أحسن حال. عطاف أنت ملفك صار كبيرًا. لم أجب. شايفة هذه الملفات كلها اعترافات عليك. هذا دليل على أنه ليس عندي شيء؛ لأنه لو وجد اعتراف حقيقي لكفاكم كل هذه الملفات. "برافو" شاطرة كثير. الموضوع لا يحتاج إلى شطارة. طيب خلينا نشوف، أنت تنتمين للجهاد الإسلامي. واو معلومة خطيرة _علقت_ لكنها ليست جديدة، أمضيت بالسجن عشر سنوات تحت هذه المعلومة. ولكنك ما زلت جهاد؟ الجهاد ليس معطفًا أخلعه، هي فكرة اختلطت في دمائي مثلما اختلط حب العجل في قلوبكم كما وصفكم الله تعالى ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: 93]. إذًا أنت‏ ما زلت تشتغلين في حركة الجهاد؟ حب الجهاد لا يعني أنني ما زلت أشتغل في حركة الجهاد، هي فكرة أؤمن بها، أؤمن بالصراع بين الحق والباطل.  يعني قصدك الصراع مع اليهود. يعني أنت عارف أنه وجودكم هنا باطل.

 

عطاف أنت ما زلت تمارسين العمل في حركة الجهاد _فتح ملفًا آخر_، وقال: (ع.خ) جاء يطلب منك مساعدة في ملف القدس. طيب، والنتيجة. أنت أخبرته لا دخل لك في ذلك. إذًا ما التهمة هنا؟! لماذا يتوجه إليك لولا علمه بنشاطك في الحركة. عندنا مثل عربي يقول: "صيت الجمل قتله"، أنا قضيت في الأسر عشر سنوات، لا دخل لي بالناس التي تظن أن لي مكانة تجعلهم يتوجهون إلي. لكن المدعو (خ.ب) قال إنك كنت نشيطة في الجامعة، وقمت بإعطائه مجلة للجهاد، وأنك كنت مرشحة للانتخابات عن الحركة. لم يحصل ذلك. ها هي صورتك وأنت تلقين خطابًا في الجامعة أثناء المناظرة. خطاب طلابي ليس له دخل بالفصائلية. المدعو (ن) اعترف أنه طلب منك عروسًا. ضحكت، وماذا في ذلك؟ رجل لا أعرفه كان في الجامعة، سلم عليَّ وطلب مني أن انتقي له عروسًا، قلت له: لا أعرفك، ولا أستطيع مساعدتك في ذلك. أنت بتتخوثي؟ والله هذا ما حصل. أصبح يغلق ملفًا ويفتح آخر ويسأل، فجأة قال: أنت ولا اشي.. أصلًا إحنا حققنا معك هون لأنك ولا اشي، الملفات الصعبة يتم التحقيق فيها في المسكوبية. قلت في نفسي _بدأ دور التحقير مرة بيرفع ومرة بيوطي لابد أن القنبلة قادمة_.

 

صدقت أنا ولا اشي عندي، ها أنت قد وصلت للنتيجة نفسها. أنا قلت أنك إنت ولا اشي، ولم أقل ما عندك اشي. خبصنا نبلش (مقصودة). أنت رئيسة مركز الدوحة الجراحي. (آه بنزل في قيمتي حتى أتفاخر، فيلم محروق) قلت في نفسي. نعم أنا رئيسة المركز. أنت متهمة بمعالجة المخربين المطلوبين في المركز. هذا مركز جراحي يقدم خدمة علاجية لمن يحتاجها، وأنا لست محققة لأحقق في هويات من يطلب العلاج حتى لو كان يهوديًا. - أنت كنت تخفين مطلوبين في المركز.- هذا غير صحيح، المركز مفتوح للجميع ممن يحتاجون علاجًا ليس إلا. - المركز قام بعلاج مطلوبين مصابين. - نعم عالجنا مصابين؛ لكن لا يهمني إن كانوا مطلوبين أو غير ذلك، هذه رسالة إنسانية لا دخل بهوية المريض.  لم أستطع كبح جماح فكري الذي شرد لتلك المرحلة العصيبة، قفزت صورة مروان ابن الستة عشر عامًا، قنصوه، ارتمى على الأرض يتلوى، شاهده المدير الإداري للمركز، غامر بنفسه حمله للمركز، الجراح المناوب شخص حالته، الرصاصة كانت قد دخلت من جنبه ولعبت لعبتها في أحشائه واستقرت في جسده، أدخله إلى العمليات بعد الاتصال بأهله والحصول على موافقتهم، كانت أحشاؤه ممزقة، اضطر لقطع أجزاء كبيرة منها، لولا عناية الله لكان في عداد الأموات.

 

                                                                                                          يتبع

التعليقات : 0

إضافة تعليق