(ما قبل الاعتقال، وأثناءه، وما بعده، ونماذج)
هيثم ابو الغزلان
وبعد ساعات عدة يستقر المقام في سجن "الرملة" ليتم بعدها توزيع الأسرى والأسيرات إلى المحاكم المختلفة "عوفر".. وإذا كانت المحاكم في "بئر السبع" أو "سالم" واحتاجت الأسيرة الذهاب إلى المرحاض، فيمكن الموافقة بعد مماطلات، ويسمحون لها الذهاب إلى مرحاض مكشوف وبلا باب، مما يجعلها ترفض ذلك، لتبقى بعدها تعاني ساعات عدة قبل وصولها إلى زنزانة في المحكمة، وتكون عفنة وفيها المياه النجسة، فتجد الأسيرة نفسها مضطرة لأن ترتاح بعد ساعات طوال في رحلة العذاب المستمرة، وعلى أمل الدخول إلى المحكمة ورؤية أهلها قليلًا، وإن كان ذلك عن بُعد. وبعض الأسيرات حُرمن من رؤية ذويهم سنوات طوال بحجة الرفض الأمني.. مما يسبب لهن معاناة لا يمكن وصفها، والأصعب عندما تفقد الأسيرة أحد والديها، فيصبح الجرح الأليم أكثر ألمًا. وقد فقدت والدتي وأنا في التحقيق ولا يمكن وصف الألم ذاك حين علمت بموتها". وتضيف قعدان: من أصعب ما تواجهه الأسيرة أن تعود من محاكمتها ويكون لزامًا عليها أن تعود إلى المحاكمة في اليوم التالي، فتعيش المعاناة ذاتها وتتمنى لو أنها تُحكم بالمؤبد لكي ترتاح من عذابات التنقّل من وإلى المحكمة. أما الطامة الكبرى إذا كانت المحاكمة للأسيرة يوم الأحد، فعندئذ يتم نقلها من يوم الخميس، ولا تعود إلى زنزانتها إلا يوم الإثنين.
وتعتقل سلطات الاحتلال 22 أمًّا فلسطينية لـ 86 ابنًا وابنة من بين أسيرات يقبعن في معتقل "الدامون"، وتحرم إدارة معتقلات الاحتلال بعض الأسيرات الأمّهات من زيارة أبنائهنّ، ومن الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهنّ من احتضان أبنائهن، إضافة إلى منع التواصل الهاتفي معهم، وتمنعهنّ من لقاء أبنائهنّ الأسرى. ومن بين الأسيرات أمّهاتٌ لأطفال رضّع اعتقلهن الاحتلال وحكم عليهنّ بالاعتقال لسنوات طويلة، كالأسيرة نسرين حسن من حيفا، المحكومة لست سنوات، والتي يقبع زوجها وأطفالها السبعة في قطاع غزة، وتحرمها سلطات الاحتلال من زيارتهم، إلى جانب حرمان إخوتها - القابعين في حيفا-من زيارتها أيضًا، منذ اعتقالها بتاريخ 18 تشرين أول/أكتوبر 2015. وأصغر أطفال الأسيرة حسن كان حين اعتقال والدته بعمر ثمانية أشهر، وأكبرهم فتاة كانت بعمر (11 عامًا)، ما تزال ترعى أشقاءها إلى جانب والدها. أما الأسيرة فدوى حمادة من القدس، فهي معتقلة منذ العام 2017، ومحكومة لـ (10) سنوات، وهي أم لخمسة أطفال، أصغرهم كان يبلغ من العمر أربعة أشهر عند اعتقالها، والأسيرة الموقوفة لمى خاطر من الخليل، الأمّ لخمسة اطفال، والتي لم يبلغ أصغرهم العامين عند اعتقالها، والأسيرة الموقوفة بلسم شرايعة من الرملة، الأم لثلاثة، أصغرهم بعمر سنة ونصف. وتعتقل سلطات الاحتلال الأسيرة أمينة محمود ـ عودة، من القدس، منذ العام 2017، وتحرمها من لقاء ابنها الوحيد محمد أحمد هلسة المعتقل في "ريمون"، والذي كان يبلغ من العمر (17 عامًا) عند اعتقاله عام 2016 والمحكوم عليه بالاعتقال لـ(18) عامًا.
كما يستهدف الاحتلال عائلات وأمّهات الشهداء كاستمرار لسياسة العقوبات الجماعية بحقّ عائلة الأسير والشّهيد، كاعتقال سوزان أبو غنام، من القدس، وهي والدة الشّهيد محمد أبو غنام، بادّعاء التحريض، واعتقال وفاء مهداوي، من طولكرم، والدة الشّهيد أشرف نعالوة. ووصفت الأسيرة المحررة الطفلة "سلوى جمال طقاقطة" (13 عاماً)، من بيت لحم فترة اعتقالها لثلاثة شهور في سجن الاحتلال بأنها "أيام صعبة للغاية". وروت الطفلة المحررة "طقاطقه" أنها تعرضت لحظة اعتقالها للضرب والسحل على الأرض والشتم من قبل جنود الاحتلال، وذلك بعد اعتقالها قرب دوار مجمع مستوطنات "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم، واتهامها بمحاولة تنفيذ عملية طعن. وأضافت "طقاطقه" بأن القصة بدأت معها بتاريخ (23/3/2016)، وكانت تدرس في الصف السابع الأساسي بإحدى مدارس بلدتها بيت فجار جنوب بيت لحم، عندما تم اعتقالها بعد أن كانت تقف قرب دوار مجمع مستوطنات غوش عتصيون، حيث هاجمها جندي من جيش الاحتلال، وطرحها أرضًا، وضربها مع جنود آخرين، قبل نقلها إلى التحقيق في معسكر "عتصيون" وسط استمرار شتمها وضربها وإهانتها. وعن الأوضاع في السجون، تقول الطفلة المحررة طقاقطة: "إن السجن مليء بالحشرات، وكانت الحياة التي تعيشها الأسيرات صعبة جدا، من انتهاكات لحقوقهن الإنسانية، إضافة إلى شوقهن لأهلن، وانتظار لحظة الإفراج عنهن".
كما تعاني الأسيرات من الإهمال الطبي، وهو حال الأسيرة المحررة رانيا جبارين التي أصيبت بمرض السرطان خلال اعتقالها، وقضت ثلاث سنوات ونصف السنة قبل أن يفرج عنها عام 2009 بعد تدهور وضعها الصحي. وتقول الأسيرة المحرر منى قعدان حول الأسيرات المصابات: "عند وصول أسيرة جريحة، تحتاج إلى رعاية طبية خاصة تمنعها سلطات الاحتلال عنها، فتقوم الأسيرات بالمهمة قدر المستطاع وبما امتلكن من أدوات متوفرة وهي قليلة بطبيعة الحال. فالأسيرة "ياسمينة الزرو" عندما أحضرت إلى الزنزانة كانت مصابة في الأمعاء والفخذ، ولم يقدموا لها العلاج اللازم، بل وضعوا لها كيس البراز إلى جانبها، رغم أنها بحاجة إلى التغيير لجرحها في اليوم ثلاث مرات. فوجدت الأسيرات أنفسهن أمام خيارات الاحتجاج، وإرجاع وجبات الطعام، وعدم الخروج إلى الفورة، ووصل الأمر أحيانًا إلى الإضراب عن الطعام من أجل علاج أسيرة، أو من أجل إخراجها إلى المستشفى".
وتتحدث الأسيرة المحررة (س.أ) عن تجربتها في التحقيق في مركز تحقيق المسكوبية الاحتلالي، وأشارت إلى ظروف اعتقالها فقالت: "اعتُقلت من منزلي في قرية أبو ديس بعد اقتحامه فجراً، وتعرضت خلال جلسات التحقيق الطويلة للشتم والتخويف بالشبح والصراخ والتهديد بالقتل، وترويعي باعتقال أفراد أسرتي، وحرماني من النوم، كما مُنعت من مقابلة المحامي لمدة 18 يوماً". وتابعت: "أثناء تخويفي بالشبح الليلي، أي أكون جالسة على كرسي الشبح ومغمضة العينين، كان المحقق "رينو" يضرب على الطاولة أو يصرخ بأعلى صوته طوال الليل. وفي الصباح كانوا يعيدونني الى الزنزانة وأمضي فيها ثلاث ساعات أعود بعدها الى التحقيق الذي يستمر طوال الليل". وخلال زيارة المحامية "منى ندّاف" سجن "الدامون" لمقابلة الصبية مرح بكير (16 عاماً)، من مدينة القدس، والتي لا تزال معتقلة في سجون الاحتلال، اطّلعت منها على ظروف الأسر فقالت: "اعتُقلت بعد أن أصابني جندي الاحتلال بالرصاص الحي. حوالى 10 رصاصات اخترقت يدي اليسرى من الأعلى إلى الأسفل. ورغم أنني لم أكن أحمل شيئاً بيدي، لكن عندما أمرني الجندي برفع يدي نفّذت أمره، فدفعني ورماني أرضاً، وبعدما وصلت شرطة الاحتلال إلى الموقع، قام شرطي بركلي، مما أدى إلى ارتطام رأسي بالأرض".
وتابعت: "بقيت على هذه الحال إلى أن نُقلت بسيارة إسعاف إلى مستشفى هداسا عين كارم، من دون مراعاة لأدنى الشروط الطبية، وخلال تلك الفترة بدأ المحقق في استجوابي من دون أن يكترث لجسدي الذي ينزف دماً، وسألني ما إذا كنت قد طعنت جندياً فأنكرت، ثم أدخلوني إلى غرفة العمليات من دون أن يكشفوا لي شيئاً عن حقيقة وضعي الصحي. وبعد العملية نُقلت إلى غرفة، حيث أبقوني لوحدي، مقيّدة بالسرير، ومن حولي سجّانون ذكور يراقبونني، وكانوا يشتمونني ويشتمون والدتي على الدوام، وفي إحدى المرات قال لي أحدهم "موتي"، وآخر التقط صورة "سيلفي" معي". وأكدت مرح أنها لم تكن تنوي القيام بأي عملية، الأمر الذي يوثّقه فيديو تم تسجيله أثناء وقوع الحادثة. وعلى الرغم من ذلك، أصدرت محكمة الاحتلال في كانون الثاني/يناير 2017 في حق مرح حكماً بالسجن الفعلي لمدة ثماني سنوات ونصف السنة.
وتؤكد منسّقة وحدة التوثيق والدراسات في "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، احترام غزاونة، أن قوات الاحتلال لا تزال تواصل انتهاك حقوق الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، بما يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب التي حظّرت المعاملة غير الإنسانية وهدر الكرامة. كما تحرمهنّ من حقوقهن الأساسية، بما فيها الخدمات الصحية، الطعام والماء. كما يتعرضن للتفتيش العاري كإجراء عقابي، ويُحتجزن في ظروف غير صحية، إضافة إلى تعرضهنّ للاعتداء الجسدي والنفسي. وردًّا على تردّى ظروف اعتقالهن السيئة في سجن "نيفي تريستا" أضربت الأسيرات الفلسطينيات بتاريخ (26-6-2001)، عن الطعام لمدة ثمانية أيام متواصلة، كما أضربن مع الأسرى في العام 2004، في سجن "هداريم"، و"عسقلان"، و"جلبوع"، و"أوهلي كيدار"، و"نفحة"، و"إيشل".
يتبع
التعليقات : 0