حادثة جنين خير دليل

السلطة والتنسيق الأمني.. تاريخ أسود 

السلطة والتنسيق الأمني.. تاريخ أسود 
سياسي

غزة/ قاسم الأغا

مرة تلو الأخرى، تُثبت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بالضفة المحتلة أنها الأحرص على أمن الاحتلال ومستوطنيه، ضاربةً عرض الحائط كل القرارات والنداءات المطالبة بوقف التنسيق الأمني باعتباره جريمة وطنية.

 

وفي حلقة جديدة من سلسلة التنسيق الأمني الطويلة بين أجهزة أمن السلطة والاحتلال، فقد أعادت أجهزة أمن السلطة، الإثنين الماضي، مجندًا ومُجندةً، إلى ما يسمى الارتباط العسكري الإسرائيلي، بعد مهاجمة المركبة التي كانا يستقلانها من قبل شُبان فلسطينيين غاضبين، إثر دخولهما مدينة جنين، شمال الضفة المحتلة بزعم دخولها عن طريق الخطأ. 

 

وفيما هاجم الشُبّان مركبة الجنديين بوابل من الحجارة، أدى إلى إصابتهما بجراح وصفتها وسائل إعلام عبرية بـ"الطفيفة"؛ تمكن أحدهم من اغتنام سلاح المجنّدة، والانسحاب من المكان، قبل أن يتمكن أمن السلطة من البحث عنه وإعادته لقوات الاحتلال، صبيحة اليوم التالي.

 

  "ليبرمان" يمتدح !

 

"إن التنسيق الأمني يؤتي ثماره"، بهذه الكلمات امتدح وزير حرب الاحتلال "أفيغدور ليبرمان" بطولة أجهزة أمن السلطة، وحمايتها للجنديين، بل وإعادة السلاح المُغتنم.

 

ونقلت صحيفة "(إسرائيل اليوم)" العبرية عن "ليبرمان"، وقوله: "إن التنسيق الأمني يؤتي ثماره التي بدت جلية في جنين، وأن التنسيق مفيد للجانبين وأنه لولا التنسيق الأمني لما انتهى الحدث بهذا الشكل".

 

وأضاف أن "تسليم سلاح المُجندة يأتي تتويجًا لذروة التنسيق الأمني، وأن السلطة تعلم علم اليقين بأن التنسيق يخدمها كما يخدم إسرائيل"، على حد تعبيره.

 

إلى ذلك، نقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية، الثلاثاء الماضي، عن ما ضابط كبير لدى السلطة، قوله تعقيبًا عما جرى بجنين: "إن مستوى العداء والطاقة السلبية في الشارع الفلسطيني تجاه الجيش الإسرائيلي والمستوطنين غير مسبوق".

 

وأضافت الصحيفة العبرية عن الضابط الذي يعمل في أجهزة السلطة منذ تأسيسها أنه "لم يصطدم أبدًا بمثل هذه الأجواء من التطرف في الشارع الفلسطيني مثلما هي عليه اليوم".

 

مبرر بقائها

 

وأجمع سياسيون فلسطينيون على أن التزام السلطة بالاتفاقات الأمنية يؤكد أنها أداة وظيفية بيد الاحتلال، وهو مبرّر بقائها، مؤكدين على أن هذا الالتزام سيصطدم بإرادة الجماهير الفلسطينية الرافضة له، والمصممة على الدفاع عن حقوق شعبنا وثوابته.

 

عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" حسام بدران، استنكر "تصرف أجهزة أمن السلطة بجنين، وتسابق بعض عناصرها لحماية جنود الاحتلال القتلة الغاصبين وإنقاذهم من أيدي الشعب".

 

وفي تصريح لـ"الاستقلال"، تساءل بدران: "أولئك (أجهزة أمن السلطة) الذين يدافعون عن المحتل رغم كل فظائعه بسلاحهم ويتصدون لأبناء شعبهم من يمثلون، ومتى ينصاعون إلى خيار الشعب ؟".

 

وشدّد عضو المكتب السياسي لـ"حماس" على أن الأجيال الشابّة التي واجهت جنود الاحتلال في جنين، وقبلها في نابلس وغيرها هم يمثلون عامّة الشعب؛ "لأنهم يثبتون وطنيتهم، ويؤكدون على بوصلة التحدي والمواجهة".

 

فعل ليس جديداً

 

أما النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة "فتح" من الضفة المحتلة نجاة أبو بكر، لم تبدِ استغربها من "تحفّظ" أجهزة أمن السلطة على الجنديَين في مدينة جنين، وتسليمهما للجهات المختصة لدى الاحتلال.

 

وقالت النائب أبو بكر لـ"الاستقلال": "إن ذلك ليس بالجديد والغريب، وهذا الإجراء الذي تقوم به السلطة نتاج التنسيق الأمني وإفرازات اتفاق أوسلو".

 

وأضافت أن "أوسلو" منذ البداية لم يكن قرار السلطة الفلسطينية، بل كان قرارًا دوليًا، وعلى السلطة الالتزام به فقط.

و حذّرت من استمرار سياسة التنسيق الأمني وتبعاته، داعيةً إلى ضرورة الشروع فورًا بتحقيق وحدة فلسطينية، قائمة على استراتيجية وعقيدة وطنية واحدة.

 

وحيّت النائب في المجلس التشريعي الجماهير الفلسطينية على ما أبدته من بطولة خلال التصدي لجنود الاحتلال بجنين، وغيرها من اعتداءاته الممارسة بحق شعبنا. وتابعت "أن ذلك يؤكّد بأنه لا وجود للفلسطيني الجديد، إنما الفلسطيني كان ولا يزال يرفض الاحتلال ويبنّى المقاومة والنضال".

 

ويعكس استمرار التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، عدم جدية الأولى بترجمة قرارات دورة المجلس المركزي الأخيرة لمنظمة التحرير الفلسطينية (28)، المنعقدة منتصف يناير الماضي برام الله، لا سيما قراره "وقف التنسيق الأمني والانفكاك من التبعية الاقتصادية مع الاحتلال". ودعا البيان الختامي للمجلس آنذاك اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير البدء في تنفيذ ذلك.

 

لن تستطيع وقفه

 

من جهته، الكاتب والمحلل السياسي البروفيسور عبد الستار قاسم، أكّد على أن عدم وقف السلطة لتنسيقها الأمني مع الاحتلال يعد صفعة للمجلس المركزي "غير الشرعي" وقراراته المتعلقة بهذا الشأن، على حد تعبيره.

 

وأكّد قاسم لـ"الاستقلال" على أن التنسيق الأمني لم ولن تجرؤ السلطة على وقفه؛ "لأنه مرتبط بوجودها".

 

ولفت إلى أن "الشعب الفلسطيني بالضفة المحتلة يعيش حالة من "الغليان" بفعل الانتهاكات المتواصلة للاحتلال ومستوطنيه، ويجب استغلال هذه الحالة من الفصائل الفلسطينية لوقف سياسة التنسيق الأمني، بل وإيجاد عنوان جديد للشعب الفلسطيني"، كما قال.

 

وتابع: "الشعب منذ 25 سنة ليس لديه عنوان، والمطلوب إيجاد عنوان مختلف عن منظمة التحرير، التي فرّطت بالثوابت وتنازلت عن الأرض".

 

وفيما تتعالى المطالبات الفصائلية والشعبية بوقف التنسيق الأمني؛ تتصاعد هجمات المستوطنين بمناطق الضفة المحتلة، وسط دعوات يمينية متطرفة إلى قتل العرب وإبادتهم.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق